الحمدُ لله ربّ العالمين وأفضلُ الصّلاة وأتمّ التسليم على سيّدنا محمّد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:

• الغناء: كلام حسنه حسن وقبيحه قبيح, فأما الكلام المجرد فلا حرج فيه وهذا يرجع إلى الكلمات ومدى جوازها...

• بالنسبة  للموسيقى والتي هي محل الخلاف والزوبعة فأقول هي مسألة خلافية كانت ولا تزال كذلك وستبقى خلافية لعدم قطعية النصوص فيها والنص الصحيح  غير صريح في المسألة والنص الصريح  غير صحيح لذا اختلف في ذلك العلماء...

• وفيها ثلاث أقوال:

• القول الأول:

• أنها مباحة مطلقاً وهو رأي الإمام ابن حزم وغيره و تبعه من المعاصرين العلامة المفكر الشيخ محمد الغزالي...

• القول الثاني:

• أنها محرمة مطلقاً إلا الدف في النكاح وهو قول الجمهور من العلماء ومنهم أئمة المذاهب الأربعة, وأشد المذاهب في المسألة هو المذهب الحنفي وممن شدد بالتحريم العلامة ابن القيم.

• القول الثالث:

• وهو قول بعض المحققين من العلماء كأبي حامد الغزالي وأبو بكر بن العربي المالكي والإمام الشوكاني في رسالته إبطال دعوة الإجماع في تحريم مطلق السماع وغيرها من كتبه وأكثر المعاصرين اليوم من الفقهاء على أن الموسيقى والآلات ليست محرّمة لذاتها إنما الحرمة تكون إذا اجتمعت بأسباب المجون واللهو والرقص وإلا فهي بأصلها مباحة...

• وإلى هذا الرأي الثالث أميل له لعموم البلوى اليوم بها ولعدم النص المحرم للموسيقى والمعازف لذاتها إنما بما تجتمع عليه من وسائل اخرى تجعلها محرمة...

• والحقيقة انه لم يصح نص في تحريم الموسيقى لذاتها فالحديث الصحيح ليس بصريح والصريح ليس بصحيح , وأصح حديث ما رواه الإمام البخاري في صحيحه تعليقاً عن أبي عامر أو أبي مالك الأشعري: انه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( ليكونن من أمتي أقوام، يستحلون الحر والحرير، والخمر والمعازف، ولينزلن أقوام إلى جنب علم، يروح عليهم بسارحة لهم، يأتيهم - يعني الفقير - لحاجة فيقولون: ارجع إلينا غدا، فيبيتهم الله، ويضع العلم، ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة)

• وقد تكلم عليه بعض أهل العلم من حيث أنه حديث معلق (والحديث المعلق: هو ما حذف مبتدأ سنده، سواء كان المحذوف واحداً أو أكثر على سبيل التوالي ولو إلى آخر السند)

• وأما سبب الكلام عليه, فلأن البخاري لم يصرح فيه بالتحديث وإنما رواه بلفظ ( قال هشام بن عمار .... الحديث) لكن الحديث متصل عند علماء الحديث المعتبرين قال السيوطي في ألفيته: وما عزى لشيخه بقالا ... ففي الأصح احكم له اتصالا

• ووصله الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه تغليق التعليق من تسعة طرق, فسلم من القدح والحمد لله.

• بقي أن نقول كيف يقول بعض العلماء أن الآلات الموسيقية مباحة وهذا الحديث نص في المسألة؟

• والجواب:

• أن هذا اللفظ جاء مطلقاً فدل على تحريم الآلات لذاتها وبهذا أخذ من يقول بالتحريم, لكن روى الحديث ابن ماجه في سننه بلفظ: (ليشربن ناس من أمتي الخمر، يسمونها بغير اسمها، يعزف على رؤوسهم بالمعازف، والمغنيات، يخسف الله بهم الأرض، ويجعل منهم القردة والخنازير)

• فذهب بعض أهل العلم إلى أن المحرم هو الاجتماع على مجالس الخمور والمغنيات لا أن مجرد الآلات, فإنها ليست محرمة لذاتها بل لغيرها, وحملوا المطلق على المقيد كما في علم الأصول, فتكون الحرمة لغيرها لا لذاتها....

• وقد استدل بعض الفضلاء بآية : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ}

• والآية قد اختلف في تفسيرها اختلافاً شديداً ولا حجة لقول بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام وخاصة أنها محتملة لعدة تأويلات منها الغناء لكن لا يشترط أن يكون محرماً إلا إن كان مضلاً عم سبيل الله فاللام للتعليل...

• قال القاسمي في تفسيره عند تفسير الآية: (تعريض بالمشركين , وأنهم يستبدلون بهذا الكتاب المفيد الهدى والرحمة والحكمة ، ما يلهي من الحديث عن ذلك الكتاب العظيم , ليضلوا أتباعهم عن الدين الحق .

• قال الزمخشري : واللهو : كل باطل ألهى عن الخير ، وعما يعني . ولهو الحديث نحو السمر بالأساطير ، والأحاديث التي لا أصل لها ، والتحدث بالخرافات والمضاحيك وفضول الكلام , وما لا ينبغي ، مما كانوا يؤفكون به عن استماع حكم التنزيل وأحكامه , ويؤثرونه على حديث الحق . وقوله تعالى : { بِغَيْرِ عِلْمٍ } أي : بما هي الكمالات ومنافعها ، والنقائص ومضارها : {وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً } الضمير للسبيل ، وهو مما يذكر ويؤنث : { أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ })اهـ.

• والأقوال كثيرة لا تنتهض لتقطع في المسألة حلاً ولا حرمة...

• فانتفى الاستدلال بها على الحرمة..

• والله تعالى أعلم.

الأستاذ: مهند الملا